تجربتي مع اليوغا

أكتب هذا، وأنا في انتظار السائق ليقلّني من العمل.

هل من قواعد معينة لكتابة تجربتي في ممارسة الـ yoga!

سأكتب دون تدقيق، فالمعذرة!

مارست اليوغا منذ عدة سنوات ولكن بشكل متقطع وفي حصص النادي الرياضي التي تكون مكتظة والكثير من الأخطاء تحصل. كما كنت أشاهد الكثير من الدروس وأحاول تطبيقها.

بشكل جدي بدأت ممارستها وتكريس وقت للاستثمار في ذاتي في الربع الأخير من عام ٢٠١٦ مع “السينسيه” صوفيا، مدربة كورية تزوجت طبيب حجازي منذ أكثر من ٣ عقود… وأعتقد بأنها سعودية أكثر من بعض السعوديين إن صح التعبير.

*أكتب هذا، وأنا في السيارة* يبدو بأن حقيقة إدماني للعمل لم تقل.. ولكن أتوقع بأني أتحكم في ذلك أكثر مما مضى. الإدراك أول خطوة!

الإدراك

الإدراك في الأمور الحياتية والعملية مثله في اليوغا، لا يأتي بمجرد المعرفة. حين بدأت كنت على يقين بأني سأظل أتألم حين وضعية (الداون دوق “adho mukha shvanasana” أو حتى اللوتس ” Padmasana” ) وكانت تخبرني صوفيا بأن هذه الوضعيات بعد عدة أشهر من الممارسة بدون انقطاع ستكون وضعيات راحة لا أكثر.. كنت أعلم ذلك! لكن لم يكن لدي اليقين والإدراك وحين أصبحت وضعية راحة من الوضعيات الأخرى في التمرين أدركت أن المعرفة لم تكن كل شيء، تجربة الأمر تعطيه معنى أعمق.. “إدراك”! .. 

استشعره دائما في حال اتقاني لوضعية جديدة تدربت عليها لأشهر بدون جدوى أو حال  اكتشافي خطأ في وضعية ظننت بأني اتقنها.

هو ذلك بعينه مايحدث في حياتنا، لن ندرك تضحيات أمهاتنا إلا في حال التجربة رغم معرفتنا، ولن ندرك ألم الأصدقاء إلا حين نمر بنفس الظروف أو التجربة. 

الصبر

لطالما وصفت نفسي بـ huslter نشيطة جداً، و growth hacking للمشاريع التي أتولاها حتى بالنسبة للعلاقات الإنسانية، أستطيع أكوّن صداقة عظيمة وعميقة خلال أقل من سنة. مصابة بداء اسميه ( Being in start-ups for too long) مما جعلني أرغب في تسريع أداء المهام. لم تكن النتائج مرضية دائما، فشلت عدة مرات، ومرات أخرى كان الوقت مبكرا لأن تكون هناك أي نتيجة ولكني مللت بأن لا نتيجة تحدث… وحين أفكر الآن، كل مايأخذه الأمر لنتيجة مرضية (وقت + جهد + الكثير من الصبر) الاستسلام السريع في بعض المرات كان خيار غير موفق. وهذه إحدى الأمور التي وثقت فهمي لمبدأ الصبر. لم أكن أستوعب لما لا أستطيع التوازن على رأسي (وضعية الهيد ستاندنق Shirshasana)  بعد ستة أشهر من التدريب!

عضلاتي أقوى، أستطيع أحمل وزني، ولدي مهارة التوازن. لما؟! لم يكن لدي خيار أن اتخطى الوضعية حيث كانت صوفيا تراقبني كل مره كي أحاول وأن حاولت التخطي تعبس شفاتها عن عدم رضى، فأحاول لأثبت لها بأني لا أستطيع التوازن بدون جدار. خلال ذلك الوقت كانت تعلمني كيف أسقط حين تخور قواي أو يختل توازني، وبعد أن استوعبت ذاتي أنها حتى حين السقوط لن تتأذى، وبعد محاولات كثيرة… فعلتها! كانت ١٠ ثواني طويلة.. لكن الصبر وإعادة المحاولة آتى فعله بعد كل تلك الأشهر. أما الآن، أستطيع التوازن على رأسي لوقت أطول بكثير، وبزاوية ٩٠ درجة ومن ثم أعود لأعلى… مدهش مايستطيع الجسم عمله حين تروضه!

انعكس هذا الدرس في حياتي على عدة أصعدة، بعد أن كنت على وشك الدخول في حالة غضب صعب التحكم بها لأن الأمور لا تسير كما خططت… رزقت صبر و مرونة للتعامل مع المعطيات، لأكون أكثر شفافية لم تكون اليوغا وحدها من ساعدتني، هناك عوامل وتجارب حياتية ساعدت في ذلك أيضآ، لكن اليوغا عززت كيف أتلقى درسي جيداً.

ضبط الذات

الـ self-discipline، ويا الله! كنت أعتقد إن لدي انضباط ذاتي عالي، ولكن ممارستي لليوغا هذبتني كثيراً. ساعدتني في التغلب على الأنا “ego” وفي التغلب عليها منفعة جمة! كل مافي الأمر أن اعترف بجهلي واتنازل عن الخصلة التنافسية لدي… كيف أن تكون تلك المستجدة لدروس اليوغا تستطيع أن تتقن وضعية لم اتقنها بعد! كنت أشعر بالخجل والغضب من ذاتي، علي أن أكون أفضل. حماقة تفكيري آنها مضحكة -ولازلت أفكر في ذلك ولكن بشكل أقل: بعضٌ من الممارسة المستمرة، الصبر وضبط الذات للتغلب على هذه المشاعر-. لم أدرك كيف كانت -وربما لازالت- الأنا لدي متضخمة نوعا ما.

الاحتفاء بإتقان زميلاتي واستشعار بهجتهم جعل الأنا، نحن.

وحقيقة أن صوفيا صارمة في توقيت الحصص، لم أفوت حصة منذ أن بدأت معها ولمدة سنة لم أتأخر لو لدقيقة! للأسف مؤخراً ونظراً لظروف عملي أتأخر مرات لخمس أو عشر دقائق، وتكون هذه كارثية بالنسبة لي، حيث أشعر بأني لم اضبط ذاتي قبلاً لأكون على الموعد.. أثر ذلك على توقيتي بشكل عام، أصبحت أكثر دقة، ولأكون صادقة مؤخراً بدأت بفقد هذا الضبط نتيجة عدم التزام الأغلبية. كمثال: لدي اجتماع الساعة ١٣:٠٠ أحضر قبلها بخمس لعشر دقائق، ومن ثم انتظر نصف ساعة أو أكثر.. مما جعلني أتهاون. اتمنى أن أعود كما كنت عليه، لكن اليوغا وحدها لاتكفي اعتقد!

الاستمرارية

الاستمرارية فضيلة كنت أحسبها مبالغ فيها قبل سنوات، تلاشى الحسبان وتيقنت أنها الفضيلة التي تصقل الجوهر كل مره في حال اتساخه. مثلها مثل الأفعال الحسنة الصغيرة المتتابعة وكيف فضلها الرسول عليه السلام عن الحسنات الكبيرة المنقطعة.

حين بدأت الدروس، أحببت الشعور جداً بعد انتهائي من التمارين. بعد شهرين، كرهت الذهاب للتمارين وكنت أجبر ذاتي للحضور واتصبر لأني ينتهي التمرين وأنا اتصبب عرقاً لاشعر بالإنجاز و بإنتشاء الدوبامين داخلي، واستمريت كرهاً، ولكن استمريت حتى عادت المحبة بعد وقت. كانت الاستمرارية هي ماجعلتني أدرك أن المحبة تكون حتى مع الكره، وستتغلب عليه في نقطة ما.

استطيع اسقاط ذلك على العلاقات من حولي، حتى مع حدوث شروخ وسوء تفاهم، مادام الاستمرار في المحاولة متواجد، ستنعطف المحبة لتُبهت الكره بعد آنٍ ما.

الصحة الجسدية

كنتيجة للأمور السابقة، لاحظت تحسن في صحتي الجسدية. عضلاتي تشكلت، لدي قوى كافية لأستمتع بيومي من السادسة صباحاً وحتى الحادية عشر أو الثانية عشر ليلاً. احظى بنوم أفضل، كنت أعاني بشكل مأساوي من الأرق والاستيقاظ خلال نومي عدة مرات، ولكن ممارستي لليوغا – أبدو كإعلان الآن- حدت من المأساة بشكل ملحوظ. أعتقد بأن أي رياضة ستفي بذلك، ولكن لما في اليوغا من مفاهيم أعمق من الحركة الجسدية. التركيز على التنفس وعلى الحالة الذهنية حد من الخلل في نظام حياتي. وأتوقع طالما كنا سكان مدن سنواجه خلل في النظام الفطري نظراً لمواكبة التمدن. ولكن علينا المحاولة كأقل تقدير لتتبع نظام حياة صحي نوعا ما للجسد الذي رزقنا به.

وعلى صعيد آخر، لدي إصابة في كاحلي (تمزق أربطة)، لا أستطيع إرتداء الكعب بشكل مريح أو القفز والهبوط بشكل كلي على قدمي، ومع الكثير من تمارين الاستطالة للقدم واللوتس ساعدت كاحلي بأن يكون أقوى. ولا داعي لذكر كيف حال ظهري وأكتافي بعدها، لاحظت حتى وضعية جلستي على المكتب تحسنت.

الصحة النفسية

أحد أسباب توجهي لليوغا، هو ضبط “العصبية” لدي والتخلص من الضغوطات التي جعلت ظهري وأكتافي صلبة وجعلتني أفقد جمام نفسي وانفعل على غيري من المقربين لأتفه الأسباب وهو أمر يزعجني في ذاتي كثيراً ويصاحبني شعور بالعار بعده لوقت طويل.

كما أن توجهي لقضاء وقت في التمارين يعني بأني استثمر في ذاتي مما جعلني أدرك أن الأولوية قبل أن استثمر في عمل أو مشروع أو حتى صداقة هو صحتي الذهنية قبلاً، بمعنى آخر أنا، وهذه ليست أنانية أو عظمة في الأنا، عليك أن تكون عطوف ومعتمد ذهنياً على ذاتك لتسوية الخلل النفسي لديك قبل أن تعطي الآخرين/الأمور حيز من وقتك وبالك مضطرب أو غير مستقر، لأن الضرر قبل أن يحدث لك سيحدث لمن حولك.

ولا أخفي معاناتي مع الاكتئاب، ودائما في حالة حرب لأسيطر عليه قبل أن يسيطر علي. وفعلاً في الحركة بركة، أن اشغل ذاتي لأقصاها ساعدني بأن لا يكون هناك وقت للإكتئاب. وممارسة اليوغا والتأمل لوقت طويل وتفريغ الذات من التشوش درّعني بأسلحة لمواجهة ذلك. 

الغذاء

الحفاظ على نظام غذاء صحي يفشل كثيراً، أحاول ذلك منذ أن كنت في المتوسطة. الكثير من الخضروات، الإنقطاع عن المشروبات الغازية،،،الخ

هذا ليس تسويق لليوغا أو لحمية غذائية معينة، أؤمن بأن كل شخص يختار مايناسبه. حين بدأت ممارسة اليوغا بدأت أدقق عن ماهية الأشياء التي يستقبلها جسمي، وبالطبع الكثير من الأمور السقيمة! مع الوقت ومع تدرج اهتمامي في الاستثمار في صحتي واستكشاف مايحبه جسدي ومايفيده لاحظت فعلاً مايزيد اضطراب جهازي الهضمي حيث أعاني من irritable bowel syndrome ، فكانت اللحوم، والمعجنات، والمشروبات الغازية، وبعض الخضروات كالباذنجان هي ماتضجر معدتي. لاحظت ذلك حين أمارس اليوغا صباحا ويكون عشائي أحد هذه الأمور، تكون حركتي أصعب وحين ألف خصري في بعض الوضعيات يكون الأمر مؤلم إما لانتفاخها أو لمغض. الاستغناء عن اللحوم الحمراء كان أولاً ومن ثم الدجاج… لازلت استمتع بالمأكولات البحرية وطبعاً هناك أيام كثيرة أكسر القواعد ومرات أخرى لقلة الخيارات. ورغم أن تكون “نباتي” أو “باسكتيريان” لايعجب البعض خصوصاً في مجتمعنا العربي، تعرضت للنقد من حولي واتهامي بأني نباتية – ولي الشرف- لكني لست نباتية…. بعد!

ورغم أن ذلك يريحني من الناحية الأخلاقية في عدم استهلاك الحيوانات أكثر من اللازم، ولكن لا أظن بأنه أمر خاطئ بحت (وربما يتغير فكري لاحقاً، من يعلم!) 

وكما أغذي جسدي، فغذاء فكري أهم. تخلصت من كثير من الصداقات “بشكل لطيف” التي تؤثر علي سلباً وتثبطني بدل أن تكون support system أو كأدنى تقدير صداقة لطيفة نتفهم فيها بعضنا. كما أن نوعية المعلومات التي استقبلها بدأت في نخلها، حذفت بعض البرامج، أحدها path، وكما أنقطعت كثيرا لفترات عن الشبكات الاجتماعية الأخرى في حال بدأت بالتأثير على أو تأخذ حيز أكثر من اللازم من وقتي. وتمرسي في اليوغا جعلني أتحمس لأتعلم أمر جديد –وأن فيه أمل لسه أني أتعلم– فبدأت تعلم البيانو وأعلم بأن مشواري طويل.

أنا لست أفضل yogi ولا أعتبر نفسي بأني أمثل ذلك بعد، ولكن هذه تجربتي الشخصية مع اليوغا وأهم النقاط التي استطعت استذكارها وتلخيصها.

June 8, 2018, 1:03 AM

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *